الأربعاء، 3 أبريل 2013

حوار عن عنترة العبسي .. محمد عثمان / عماد عناني / عاطف الحناوي

محاورة حول عنترة العبسي

عاطف عبد العزيز الحناوي



أعادي صرف دهر لا يعادى 

و أحتمل القطيعة و البعادا

و أظهر نصح قوم ضيّعوني
و إن خانت قلوبهم الودادا
أعلل بالمنى قلبا عليلا
و بالصبر الجميل و إن تمادا
تعيرني العدى بسواد جلدي
و بيض خصائلي يمحو السوادا
سلي يا عبل قومك عن فعالي
ومن حضر الوقيعةَ والطرادا

وردت الحرب و الأبطال حولي
تهزّ أكفها السمر الصعادا

وخضتُ بمهجتي بحرَ المنايا
ونارُ الحربِ تتقد اتقادا
وعدتُ مخضباً بدم الأعادي
وكربُ الركض قد خضبَ الجوادا

المصدر : جواهر الأدب في إنشاء و أدبيات لغة العرب للسيد أحمد الهاشمي

يحلو لي أن أضع هذا الجزء من قصيدة لعنترة تحت مجهر التحليل
كل منا يدلي برأيه و نتناقش و نتعلم كلنا ...ليس منا معلم و لا تلميذ بل كلنا متوحدون
هاهي القصيدة ..و في انتظار بدء الحوار
تحياتي
عاطف


 الأستاذ / عماد عناني عناني

لقد كان عنترة العبسى ظاهرة لا تتكرر فهو الرقيق فى مشاعره الجبار فى قتاله وها نحن نراه فى أبياته يمزج بين الرقة والجبروت فهو يقول أعادي صرف دهر لا يعادى 

و أحتمل القطيعة و البعادا ثم يقول وخضت بمهجتي بحرَ المنايا

ونارُ الحربِ تتقد اتقاداوعدتُ مخضباً بدم الأعادي وكربُ الركض قد خضبَ الجوادا
حقا ما أروع هذا الفارس الجبار والمحب الرقيق الذى تضاهى رومانسيتة ورقته ما نجده فى أرق أشعارالغزل وانظر إلى قوله غراب البين مالك كل يوم ... تعاندنى وقد أشغلت بالىكأنى قد ذبحت بحد سيفى ... فراخك أو قنصتك بالحبال لحى الله الفراق ولا رعاه ... فكم قد شك قلبى بالنبالأقاتل كل جبار عنيد ... ويقتلنى الفراق بلا قتال
عاطف

نعم البداية ..بداية الحوار من أخينا و أستاذنا عماد عناني ..لقد أصاب الرجل كبد الحقيقة مباشرة و دون لف أو دوران حول نظريات نقدية و آراء لغوية و كلام كثير قد لا يجدي ...نعم يا أصدقاء هكذا يكون العالم اللغوي الذكي و الشاعر الحساس 

انظروا إلي البيت الأخير مما أورده الأستاذ عماد :

أقاتل كل جبار عنيد ....و يقتلني الفراق بلا قتال انظروا إلى هذه المفارقة ..يقاتل عنترة كل جبار عنيد و هذا كناية عن شدة القتال و حدته و عنفه و بالطبع عنترة هو الفائز في القتال ..ثم إذا به يقتله الفراق بلا قتال !قوة و جبروت في جانب و رقة و عذوبة في جانب آخر ..و هو ينتقل بين هذا و ذاك في احتراف و عظمة تجعلنا نوقن أن عنترة من أعظم الشعراء في كل العصور 

انظروا إلى عظمة هذا الإنسان حين يقول :


و أظهر نصح قوم ضيّعوني

و إن خانت قلوبهم الودادا
و هذا المعني متواتر في شعر عنترة ..فكثيرا ما كان يذكر هؤلاء القوم الذين أضاعوا حقه و تجاهلوا قدره في الوقت الذي يحفظهم و يدافع عنهم !
جملة بسيطة و مباشرة و لكنها صادقة و معبرة عن حالة الأسي و الحزن و الفخر في ذات الوقت ..فليس شرطا أن تكون القصيدة بكاملها صورا و تشبيهات واستعارات ..أليس كذلك ؟!

لنا عودة ثانية بإذن الله لاستكمال الحديث ...و مشاركات الزملاء ستثري الحوار بإذن الله

تحياتي
عاطف


الأستاذ / محمد عثمان

أحييك أخى عاطف على هذه الفكرة وأرجو أن تواصل تقديم هذه النماذج وأقترح عليك أن توافينا كل مرة بنص مختلف يمثل عصرا من عصور الشعر العربى حتى يتسنى لنا التعرف عن قرب على تلك النصوص مع نبذة مقتضبة للتعريف بالشاعر .. أعتقد أنها يمكن أن تكون فى سلسلة أسبوعية مثلا .. وأعلم أنك قادر على ذلك لفهمك وقربك من اللغة العربية والأدب العربى
.

..........................
من يقرأ تاريخ عنترة العبسى لا يتخيل أبدا أن هذا الفارس الشاعر يحمل قلب عصفور ناعم مرهف الحس تجده فى كلماته التى يخاطب بها نفسه حينما يشتد به الوجد:أعلل بالمنى قلبا عليلا و بالصبر الجميل و إن تمادا ورغم أنه الفارس الذى لا يشق له غبار إلا أنه لم يقف بسيفه فى وجه من يعيره بلون جلده بل جاء بصورة غاية فى الروعة تنم عن انسياب وجدانى وشاعرية راقية:تعيرني العدى بسواد جلدي و بيض خصائلي يمحو السوادا وعنترة واحد من شعراء الجاهلية الذين يذكر التاريخ قصته الخالدة مع عبل والتى تركت لنا العديد من أبيات الغزل العفيف والذى أنشده فى محبوبته :
رمتِ الفؤادَ مليحة ٌ عذراءُ *** بسهامِ لحظٍ ما لهنَّ دواءُ مَرَّتْ أوَانَ العِيدِ بَيْنَ نَوَاهِدٍ *** مِثْلِ الشُّمُوسِ لِحَاظُهُنَّ ظِبَاءُ فاغتالني سقمِى الَّذي في باطني *** أخفيتهُ فأذاعهُ الإخفاءُ خطرتْ فقلتُ قضيبُ بانٍ حركت *** أعْطَافَه ُ بَعْدَ الجَنُوبِ صَبَاءُ ورنتْ فقلتُ غزالة ٌ مذعورة ٌ *** قدْ راعهَا وسطَ الفلاة ِ بلاءُ وَبَدَتْ فَقُلْتُ البَدْرُ ليْلَة َ تِمِّهِ *** قدْ قلَّدَتْهُ نُجُومَهَا الجَوْزَاءُ بسمتْ فلاحَ ضياءُ لؤلؤ ثغرِها *** فِيهِ لِدَاءِ العَاشِقِينَ شِفَاءُ سَجَدَتْ تُعَظِّمُ رَبَّها فَتَمايلَتْ *** لجلالهِا أربابنا العظماءُ يَا عَبْلَ مِثْلُ هَواكِ أَوْ أَضْعَافُهُ ***عندي إذا وقعَ الإياسُ رجاءُ إن كَانَ يُسْعِدُنِي الزَّمَانُ فإنَّني*** في هَّمتي لصروفهِ أرزاءُ
...................
أحييك أخى عاطف ثانية على تلك المبادرة وأرجو أن تتمها حتى نعيد نشر هذه الدرر مرة ثانية لك منى كل الود والتقدير
عاطف

أخي الحبيب محمد عثمان ...بل الشكر لك أنت ..لقد أثريت المناقشة بكلامك و مداخلتك القيّمة

إن صورة عنترة التي يقول فيها :

تعيّرني العدى بسواد جلدي
و بياض خصائلي يمحو السوادا
حقا هي جملة عظيمة تنم عن نفسية هذ الشاعر و الفارس - بل أبو الفوارس - فإن هذا السواد الذي يعتبرونه نقيصة - و هم حمقي - هو شيئ يحرك عنترة لإثبات أن العيب ليس عيب اللون و الجلد بل العيب كل العيب في الفعال و الجبن ..و إذا به يقرر أن : بياض خصائلي يمحو السوادا
فكم من إنسان اتخذ من ضعفه نقطة انطلاق و تحدي يثبت بها للجميع أن أفضل من كل من ليس فيهم هذا العيب الجسدي ...و ربما نشاهد في دورات الألعاب الأوليمبية للمعوّقين ( و هم معوقون ) شخصيات رياضية معجزة تثبت لنا أننا نحن المعوقين و ليس هم ...أليس كذلك ؟
المتأمل في شعر عنتر يجد هذه الناحية النفسية تعبر عن نفسها كثيرا و ربما نتكلم عن ذلك لاحقا بإذن الله
شكرا لك يا محمد
و يا رب عدد أكبر من الزملاء يشاركنا المناقشة !!
اقتراحك جميل فعلا و سوف أقوم بالتنفيذ بإذن الله

تحياتي


عاطف

تعيرني العدى بسواد جلدي 

و بيض خصائلي يمحو السوادا

سلي يا عبل قومك عن فعاليومن حضر الوقيعةَ والطرادانحن هنا أمام محركين يحركان شعر عنترة أولهما : رغبته في إثبات تفوقه رغم سواد جلده هذا الذي يعتبره أعداؤه نقيصة فيه ..و ثانيهما : حبه لعبلة و هو في كل موطن يريد أن يثبت لها و أن يثبت للناس و لنفسه أنه أهل لها فهو أبو الفوارس ..و أذكر أننا درسنا في المرحلة الثانوية من شعر عنترة قوله :و لقد ذكرتك و الرماح نواهل
منّي و بيض الهند تقطر من دميانظروا ..يذكر حبيبته في هذا الموطن الشديد البأس ..فهي -عبلة-محركه الأساسي لكل مجد ...فتأملوا كيف ملك الحب كيانه و هو الفارس المغواركل هذا يعبر عنه عنترة في قوة و جزالة تجعله من أعظم الشعراء علي مرّ العصور
سألني بالأمس صديق و هو ليس شاعر ..بل متذوق و قارئ إذا ما أحببنا أن نختار أميرا للشعراء علي كل العصور فمن نختار ؟ و لقد اختار صديقي الشاعر المتنبي ...فقلت له لا بل أنا أختار عنترة العبسي أميرا للشعراء في كل العصور...فما رأيكم يا أصدقاء ؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق