الأحد، 26 مايو 2013


محمد عثمان ....في طريق الذكريات

يقول ستيفن سبندر في كتاب "الحياة و الشاعر " ما مفاده أن : الشاعر يجب أن يكون له موقف من الحياة , و هذا الموقف نستشفه من إبداعه , و أظن هذا شيئا بديهيا , و لا مجال للجدال فيه  .

و قد يكون موقف بعض الأشخاص حداثيّا متمردا , ضاربا بالقواعد و الأعراف عرض الحائط , و قد يكون البعض ميّالا للمحافظة , و اتخاذ موقف تقليدي من الحياة و الفن , و أقول :  إن مدار الإبداع في الحالتين , إنما هو على الجودة و الأصالة الفنية , و مدى القدرة على التعبير عن الحالة الوجدانية, بشكل متناغم و متماسك فنّيا .

كانت هذه مقدمة لابد منها ,قبل الحديث عن قصيدة "في طريق الذكريات " للصديق الشاعر- محمد عثمان و أرجو أن أكون منصفا في تحليلي ,و نقدي, بلا محاباة, و لا تعنت... و الله المستعان .

يقول الشاعر :

إن أتيت الروض شوقا ****و المنى ملء العيون
ترقب الماضي نداء****بين أصداء الفتون
ذكريات في ربيع****ذاب فيه العاشقون

عبّر الشاعر هنا عن الذكريات و الماضي الجميل , و أتت الكلمات معبرة مثل ( الروض – شوقا – الفتون – ربيع – العاشقون ) , فنحن أمام صورة رقيقة , لحالة ربيعية , من الماضي , و ألاحظ أن الشاعر قد استخدم "إنْ الشرطية" , و هي تفيد الشك و التقليل , و هذا يتناغم مع قول الشاعر بعدها :

قد رأيت الروض جاثٍ****في رداء من سكون
عربدت فيه احتراقا ****عصبة الليل الخئون
فاستكان الطير قهرا****بين أشلاء الغصون

أقول : هذه الأبيات هي جواب الشرط ( إن أتيت ) .
 و لو قارنا الألفاظ المستعملة , في جملة الشرط , و هي كلمات تشي بالأمل و التفاؤل ( روض – ربيع ....) و ألفاظ جملة جواب الشرط  , و هي تشي بحالة من اليأس و الانكسار و الموت ( جاث – سكون – عربدت – احتراقا....)  , فقد كان هناك شك من البداية , في جمال الروض و عدم يقين من الأمل المرجو !!
و لاحظوا معي ... في البداية شك ( إن ) و في النهاية توكيد ( قد ) .

ثم يلخص الشاعر الوضع في جملة واحدة :

هكذا الدنيا جنون

فالتوقعات دائما عكس الواقع بالفعل ....و هكذا قام الشاعر , كعادة القدماء و بعض المحدثين بصوغ الحكمة و الجملة الحاسمة القاطعة ...أليس الشاعر حكيم قبيلته , و هو الروح الشفافة التي تبصر من وراء الغمام , و يتنبأ بالمستقبل كأنه عراف قديم !!؟

و استخدم الشاعر كلمة الروض مرتين , في هذا المقطع من القصيدة , و ربما عدّ البعض ذلك ضعفا فنّيا , و تكرارا لا داعي له ... و لكني أقول : إن التكرار قد يكون مفيدا و مبرّرا , و العبرة بالنص الذي نقرؤه , و أقول  ما بين "الروض شوقا ... و الروض جاث" نرى أن الروض هو الروض , و لكنّ حالة الشاعر الوجدانية , هي التي تبدّلت , و رؤيته للمشهد , هي التي تحوّلت , و السؤال : هل كان التكرار بلا مبرّر ؟! لا سيّما إذا قلنا أن التكرار وقع في أغلب القصيدة , لا سيّما الكلمات المعبّرة عن الماضي , و ما يقوم مقامها !

و في المقطع الثاني من القصيدة – و قد غيّر الشاعر الرويّ كعادته – يعرّف الدنيا تعريفا جديدا طريفا يقول :

هذه الدنيا مسير **** في دعاء لا يجاب
كالمواعيد الحيارى****بين أصداء الغياب

هي حالة من الحيرة , و مسيرة بلا جدوى , فالدعاء لا يجاب , و المواعيد حائرة , و الغياب هو السائد , و يعرب الشاعر عن رغبته و يقول :

أبتغي عمرا قديما **** في هنيهات الشباب

فهذا مذهبه – العودة للماضي و للجذور – و لكنه يظل حائرا , في حالة من الشك الوجودي الذي يذكرنا بإيليا أبي ماضي و محمود حسن اسماعيل , وحيرتهم , خصوصا "الطلاسم" لأبي ماضي , و ديوان "أين المفر" لمحمود حسن اسماعيل ...و ما يجمع بينهم – أي الشعراء المذكورين – هو حالة الحيرة  و الشك , الناشئة بلا جدال من العصر المتسارع و المتخبط الذي عاشوا فيه , هؤلاء في القرن العشرين و حروبه العظمى , و هذا في القرن الحادي و العشرين و فورانه و لا إنسانيته !! ... يقول الشاعر :

كلما لاقيت بابا****لاح في الظلماء باب
بيد أني لست أدري**** أي باب للمآب
كلها أشباه لقيا**** بين هاتيك الشعاب
هكذا تمضي حياتي****بين شك و اغتراب

فقد وضعنا الشاعر بمهارة , و بألفاظه المعبرة , و بصوره الشعرية الجميلة , أمام حالة من الحيرة و الضبابية  و عدم الاستقرار و الوحدة .

 و أعجبتني جدا صورة "أشباه لقيا " , و هي مكونة من مضاف و مضاف إليه , و تفيد التخصيص  - لأن الإضافة إلى نكرة تفيد التخصيص كما تعرفون - حتى اللقاء لم يعد لقاء حقيقيا أو مكتملا, بل هو أشباه ! , مما يذكرني , بما درسناه عن بعض الكائنات الأولية فهذا له أشباه أرجل , و هذا له أشباه جذور , و هي بالتالي لا تقوم بالوظيفة الكاملة , كما أنها ليس لها التركيب الكامل للعضو الحقيقي , و كذلك أشباه اللقيا !!

أما قوله : " قد قضيت العمر وحدي" فهي جملة مباشرة خبرية , تخلو من التصوير , و إن كانت تدلنا على حالة الشاعر الوجدانية , بشكل جيد , كما أنه ليس شرطا أن تكون كل القصيدة صورا و خيالا , و قد أوضحت ذلك - بفضل الله - في مقالة لي بعنوان " عن الصورة الشعرية " .

و أسأل الشاعر : ماذا عنيت بقولك :

يا رفيقي نجّ كأسي ... هل تقصد ناج ِ كأسي ؟ إذا اجعلها "ناج ِ"... و الوزن و المعنى كلاهما  يستقيم ... حيث لم أقرأ "نجّ " بحذف الألف من قبل... و الله أعلم

( سمعت الشاعر محمد عثمان و هو يلقي القصيدة في أحد الندوات و قد قرأها : نحّ بالحاء و ليس نجّ بالجيم و على ذلك يكون الفعل الأمر من التنحية و هذا يتفق بالفعل مع البيت تمام الاتفاق )

و يؤكد الشاعر على معنى الوحدة – وحدته – فيقول في المقطع الثالث :

عاشق يمضي وحيدا ****خلف طيف الأغنيات

و يؤكد على مذهبه الفنّي – العائد للجذور – قائلا :

يرتجي عمرا قديما **** من رحيق المعجزات

و يعود بنا الشاعر إلى صورة الماضي الجميل , التي صورها المقطع الأول , و يقول :

أن يعود الفجر طيرا**** من دياجير الشتات
تصدح الأوكار عشقا****يزدري جهم السكات

الشتات مظلم , و الفرقة مؤلمة , لكنْ إذا جاء الفجر, صدحت الطيور بالأغاني ( في قول الشاعر "تصدح الأوكار" مجاز مرسل علاقته المحلية ... فالطيرهي التي تصدح و محلّها الأوكار) و تعود الوحدة و الألفة , من جديد , و يتحقق حلم شاعرنا , و حلمنا العزيز :

يقرأ النيل المثاني**** ينجلي حزن الفرات

و أتساءل : هل موقف الشاعر في قصيدته كلاسيكيا بحتا , و مقلدا صرفا للقدماء , لدرجة أن تختفي شخصيته , و رأيه و موقفه الشخصي ؟!...لا أظن .

 نعم هو قد اختار القالب العمودي للقصيدة , و لكن هذا ليس عيبا , لأنه استطاع صياغة أفكاره , و موقفه من الحياة , في هذا القالب , و أجاد , و إن كنت أنتظر منه المزيد من التجديد في الصورة الشعرية , و هو- بلا شك - قادر على ذلك بإذن الله .

لأستاذنا سعد علي مهدي – الشاعر العراقي الرائع -  تعليق مهمّ , على استخدام كلمة "السكات " , فهو لا يميل إلى استخدامها في قصيدة فصحى , نظرا لشيوعها في الاستخدام العامي فهو يريد – و معه كل الحق – أن تصبح لغة الشعر الفصيح أرقى من كل استخدام عامي مبتذل و أظننا جميعا نوافقه هذا الرأي , حتى و إن كانت كلمة "السكات" كلمة فصيحة بكل تأكيد .

و لي تعليق على صورة " يزدري جهم السكات " تركيب الشاعر للمضاف و المضاف إليه "جهم السكات" أفاد زيادة درجة القبح المعاصرة , فكلمة "جهم" معناها : كالح الوجه و كريه الوجه عابسه , و كلمة "السكات " معناها : الصمت و السكون , و تركيبهما معا بهذا الشكل ممتاز , حيث أفاد زيادة درجة الدمامة و البغض , التي سوف يحاربها , و يقضي عليها غناء الطيور ! تحية للشاعر من أجل هذه الإضافة الرائعة .

و في المقطع الأخير , يؤكد الشاعر على حبه للماضي , و يقول :

في ربى أشواق ليلى **** أو دواوين الرشيد
ربّ لحن قص عني**** رحلة الساري العنيد

ذكره " ليلى " يعبر عن شوقه للشعر و الحب القديم , و ذكره "للرشيد" يعبر عن شوقه للماضي القوي , حينما كانت حضارتنا تنير العالم .

و كولع الشعراء – لاسيما التقليديين – لصياغة الحكمة يقول :

كلنا في الأرض يمشي **** بين شاك أو سعيد
ثم نمضي للمنايا **** في طريق لا يحيد

جمل خبرية تقريرية , و إن كانت لا تخلو من جمال ....جمال الحكمة و جلالها .

قرّر الشاعر الحقيقة , و هي أننا جميعنا نموت , و لكن تبقى حكاياتنا و قصائدنا تعبر عن آلامنا و أحلامنا , و تنقلها للقادمين من بعدنا , و هذا الشعور و إن كان تقليديا , و تحدثت عنه في عرضي لكتاب " الأشباه و النظائر للخالديين " فإنما هو شعور إنساني عام ,
 لا ينقضي بانقضاء الأجيال , فكم من شاعر يكتب القصيدة ثم يموت , و تبقى قصيدته , من بعده إلى ما لا نهاية – بإذن الله – و هذه حال الأعمال العظيمة... يقول الشاعر دعبل - شاعر هجّاء , أصله من الكوفة , و كان صديقا للبحتري :

إنّي إذا قلت بيتاً مات قائله
                               و من يقال له , و البيت لم يمتِ

و يقول محمد عثمان :

بينما تبقى الحكايا **** بين أطياف القصيد
تذكر الشادي المعنّى **** في رؤى الحلم المجيد

و في النهاية أقول :

الشاعر و إن كان قد جرى على أساليب العرب , و مدارسهم الشعرية القديمة , إلا أنه قد أجاد , و جاءت قصيدته جميلة , و متماسكة فنّيا – شكلا و مضمونا - و تحمل الكثير من عبق الماضي , و الكثير من همومنا المعاصرة ....

يا رفيقي لن أغنّي **** غير ذيّاك النشيد

==========================================

عاطف عبد العزيز الحناوي
الاسكندرية
30 رمضان 1433
18 أغسطس 2012



القصيدة :


إن أتـيــتَ الـــروضَ شــوقـــا

****
والـمُـنــى مـِــــلءُ الـعـيــــونْ

تــرقــُــبُ الـمــاضـى نـِـــــداءً

****
بـيـــن أصـــــداءِ الـفـُــتـُـــونْ

ذِكـْــريــــاتٌ فــى ربــيـــــــع ٍ

****
ذابَ فــيـــــهِ الـعــاشِــقـُــــونْ

قـــدْ رأيــتَ الــروضَ جـاثٍ

****
فــى رداء ٍ مــــن سُــكـــــونْ

عـرْبــدَتْ فـيــهِ احـتـِـراقــــا ً

****
عـُصـْبــَــة ُ اللــيــلِ الخَـئـُـونْ

فاسـتـكـانَ الـطـيــرُ قــهـــراً

****
بـيــن أشـْــــلاءِ الـغـُـصـُــونْ

وانـــزَوى نـبــْــعُ الأغــانـى

****
خـلـفَ أســــوار الـظـُنـُــــونْ

إن طـرقـْتَ الـصـمـتَ تـنـْـعِى

****
ضَـيْـعــة َالـعـهــدِ الـحَـنـُــونْ

لا تــقـُــــلْ كـُـنــــا وكــانـــــا

****
هــكـــذا الـدنــيـــا جـُـنـــُــونْ

******

هــــذه الــدنــيــــا مـسِــيــْــرٌ

****
فــى دعــــــاءٍ لا يـُـجــَــــــابْ

كـالـمــواعـيـــدِ الـحـَيــَـــارَى

****
بـيــــن أصــــــداءِ الـغـِــيـــابْ

يــا رفـيـقــى نـَــحِ كـأسـِــــى

****
إنـهــــــا نـجـــــوَى ســــــرابْ

قــد قـضـيـتُ الـعـمـرَ وحـــدِى

****
فــى ســـراديـــبٍ عـُـجــَـــابْ

أبـتــغـِــى عـُمـْـــرا قـديــمــــاً

****
فـى هـُـنـيـْهــــاتِ الــشـبــــابْ

كـلـمــــا لاقــيــــــت بـــابــــــا ً

****
لاحَ فـــى الـظــلـمــاءِ بــــابْ

بـَــيـْـــدَ أنــى لــســــت أدرى

****
أى بــــــــابٍ لــلـــمــَـــــــآبْ

كــلـُـهــا أشــبــــاهُ لـُـقـْـيــَـــا

****
بـيــن هـاتـِيـْــكَ الـشِـعـَــــابْ

هــكــذا تـمـضـــى حـيــاتــى

****
بــيــــن شـــــكٍ واغْــتـِــرابْ

فـــى نــــــداءٍ مــن خــيــــالٍ

****
بـيــــن أوهــــــامِ الـحُـبــَــابْ

******

يــا رفـيـقــى تلك روحِــى

****
فــى طـريـــقِ الــذكـــريـــاتْ

عـاشــقٌ يـمـضــى وحـيـــداً

****
خـلــفَ طــيـْــفِ الأغـنـيـــاتْ

سـبـَّـح اسـم اللــهِ شــوقــاً

****
فـــى ظـِــــلال الأُمــنـيـــــاتْ

يــرتـجـى عـِـطــْـراً قـديـمــاً

****
مـن رحــيـــق الـمُـعْـجِـــزاتْ

أن يـعـــود الـفـجـــرُ طـيــراً

****
مـــن ديـــاجـيـــر الـشَـتـَــاتْ

تـصــدحُ الأوكـــارُ عـِشْـقــاً

****
يــزدرى جـَـهـْــمَ الـسُـكــاتْ

يـقــرأ الـنيـــلُ الـمـثــانـِــى

****
يـنْـجـَـلِى حــــزنُ الـفــــراتْ

******

يــا رفـيـقــــى لـــن أغـنـــــى

****
غــيـــــر ذيـــاك الـنـشـــيــــد

إن يـلـُـحْ فــى الأفــق نــــورٌ

****
أم بـــــــدا نـجــــمٌُ غـَــريــــــدْ

ْفـى رُبـَــى أشــــواق لـيــلى

****
أو دواويـــــن الـــرشــيـــــــد

رُبَ لـحــنٍ قــَــصَّ عـنـِــى

****
رحــلــة الـســارى الـعـنـيـــدْ

حـيـنـمـا يـهـفـُـو لِـطـَـيـْــفٍ

****
من صـدَى المـاضى الـبعـيـدْ

كـلـُـنـا فـى الأرض يـمـشى

****
بـيــــن شــــاكٍ أو سـعـيــــدْ

ثـــم نـمــضى لـلـمـنــايــــا

****
فــى طـــــريــقٍ لا يـحــيــــدْ

بـيـنـمـا تـَبـقـى الحـَـكــايــا

****
بـيــــن أطـْيــافِ الـقـَصِـيــــدْ

تــذكـُـر الـشـادى المـُعـَـنَّـى

****
فـى رُؤى الـحُـلـمِ الـمجـيــدْ

هــا هُـنـا أحـْيــا الأغـانــى

****
هــاهـُـنــا يـَحـْـيـا شـهــيـــدْ


الخميس، 16 مايو 2013

همسة شوق للشاعر على محمد محمود ... قراءة نقدية بقلم عاطف عبد العزيز الحناوي

جاء في العدد الاول من مجلة صوت الشعراء أغسطس 2012 نصا من تأليف على محمود و قد أثار النص في ذهني هذه الخواطر النقدية التي أطرحها الآن ...
فن الموال فن عريق و له أشكاله المتعددة و من أشكاله الكلاسيكية ما يطلق عليه عمنا السيد الخشاب فن الأرغول و عنه يقول الأستاذ أحمد رشدي صالح في كتاب فنون الأدب الشعبي : هذا الموال يسمونه " المردوف " لأنه يطرح قضية يقولون عنها الفرش ثم حل هذه القضية و يسمى الغطاء و كل آهة تفسرها شطرة من الموال ..
و ربما هو غير شائع بدرجة كبيرة في العصر الحاضر و لكن ممن يجيدون هذا الفن الأساتذة حسن خليل و فاروق رمضان و ممن يستخدم هذا التكنيك حداثيا بدرجة أكبر كل من الشاعر صادق أمين و الشاعر فؤاد ابراهيم و ربما أتعرض لبعض إبداعاتهم فيما بعد إن شاء الله ..
و يشارك هؤلاء جميعا الشاعر الشاب على محمد محمود و هو يخطو بخطوات واثقة على طريق الشعر العامي الجيد و أتعرض الىن لنصه الذي جاء في العدد الأول من مجلة صوت الشعراء و يقول فيه :

الأوّله آه .. شطّك نبع إلهامي
و التانية آه .. عشقتك حلم ف منامي
و التالتة آه .. بحبك تحلى أيامي
حرف الروي هنا الميم ( و كما يقول البعض القافية ) ثم يأتي بعد هذه الأبيات تنويع و بسط للحالة كالمعتاد في هذا الشكل من الموال فيقول :
الأوله آه ..شطك نبع إلهامي يا مالكة القلب ضميني
و التانية آه .. عشقتك حلم في منامي يجيني الشوق يصحّيني
التالتة آه .. بحبك تحلى أيامي و احلف لك يا عمري بديني
الملاحظ انه داخل الشطرات أصبحت هناك قافيتان الميم المكسورة و النون المكسورة و هذا يعطي تنوعا موسيقيا جذابا و ربما جاء اسم فن الأرغول لأنه كان يُغَنّي أو ينشده المغنّون بمصاحبة آلة الأرغول و هذا التنوع في القوافي و حروف الروي من سمات النصوص الغنائية جميعها ..
ثم تاتي التنويعة الثالثة على الآهات و يختمها الشاعر بقافية الكاف ( فرحك / ملامحك / أسامحك ) .
و يأتي الختام ( الغطاء / حل القضية ) :
يا درة في جبين الشوق
نظرة شوق حتحييني
النص في مجمله جيد و فيه تنوع موسيقي جميل و إن كنت أرى أن كل الصور و الجمل تدور في إطار واحد و حول نفس المعنى تقريبا مما قد يحدث مللا عند السامع أو القارئ كما أن تكرار لفظة الشوق 3 مرات في الغطاء مما يعده البعض عيبا و انتقاصا من اقتصادية و تركيز اللغة الشعرية .
و كذلك النص يفتقر إلى التلاعب بالألفاظ الذي تتميز به المواويل الشعبية و فن الواو ..و انظروا معي إلى هذا الغطاء الذي يتكون من 9 أبيات و جاء الروي فيها على هذا النحو :
( ك ك ك ك – دي دي دي دي – ك )
يا عيني جِلّي البكا يوم روايج لك ( روقي عليّ شوية )
عمّاله تبكي و دمع العين رايج لك  ( متفرغ لك )
عمّال يخطط في التراب ورايج لك ( أوراق لك )
و الله لسافر و أجيب لك روايج لك ( راحة و حل )
و ان آذن الله و رجعت انا بلدي
لاخلع هدوم الشجا و البس هدوم بلدي
و اضرب البين كمان بسلاح من بلدي
و اعمل وليمة تكفي كل من بلدي
تفضي يا عين و يُبْجى الحيّ رايج لك .

مهما كان من أمر فإن نص / موال على محمود نص جيد و مبشر بشاعر متميز بإذن الله .

و هذا هو النص بين أيديكم ( همسة شوق – الشاعر :  على محمد محمود )

الأولـــة آه
شـطـِك نـبـع إلهامى
والثانيـة آه
عشقـتـك حلم فى منامى
والثالثـة آه
بحبك تحلى أيامى
الأولـة آه
شـطـِك نـبـع إلهامى
يا مالكـة القلب ضـمينى
والثانيـة آه
عشقـتـك حلم فى منامى
يجـينـى الشـوق يصحيـنى
والثالثـة آه
بحبك تحلى أيامى
وأحـلف لك ياعمـرى بـديـنى
الأولـة آه
شـطـِك نـبـع إلهامى
يا مالكـة القلب ضـمينى
دى فـرحة قـلبى يـوم فرحـك
والثانيـة آه
عشقـتـك حلم فى منامى
يجـينـى الشـوق يصحيـنى
وأدوب اللحظـة فـى ملامحـك
والثالثـة آه
بحبك تحلى أيامى
وأحـلف لك ياعمـرى بـديـنى
ف يوم ماتجينى راح أسامحـك
ياوردة فـوق جـبيـن الشـوق
نـظـرة شـوق حـتحيينـى
يا مخـلـوقـة بـحـب وذوق
غـازلـك طـوق يـنجـينـى
دا صـيفـك جـاى مسـتنى
يـغـنـى وقـلبـى مِتـْهـَنِى
قـومى يا حـلـوة وإتـمـنى
دى هـمسـة شـوق تـدفـينـى




السبت، 11 مايو 2013

رهانٌ لن ألعبه ..بقلم الشاعرة ...ريهام رجب



 
رهانٌ لن ألعبه

أسافر لن استطيع المكوث على ضعف بنيتيَ المتعبة
أقامر بالعمر ماهمني وربحي بحبك لن ألــــــــــــــــعبه
مكثت بقلبك عشريــن عاماً بقائي بقلبك كم أتعبه !!
ووحش القطيعة زمجر لكن أنا في الظهيرة من أرعبه


شجاع هو القلب إن ينطقوك وقلبي فداءٌ لمن عذبه
وصعبٌ مراسي لذا قيدوني وكسرك للقيد كم هذبه
فما ضرني مامضى من عتابٍ وصدق حديثك ما أعذبه !!
وعدتَ فصدقتُ قرب التلاقي ووعد المحبين ما أكذبه!!


قسوت وتسألني-مازحاً-:جبين السعادة من قطّبه؟؟!
حملت مفك التناسي كثيراً وأصلحت قلبي لمن أعطبه
نديٌّ قميصك كم يحتويني!وجهدك في الشغل كم رطبه!!
وعطرك يغمر أنفي حنيناً فصيح عبيرك ما أخطبه!!!



أتذكر يوماً التقينا سريعاً وياقلب ذا اليوم ما أغربه !!
وقدت قميصك بقعة شايٍّ فأقسمتُ ذا الشاي لن تشربه
ولقياك قطعة حلوى بعمري ستفرح يتماً بذي متربة
لقد كنت حلماً بعيداً بعيداً تجلى المحال لقد قرّبه


أتانا الفراق على غرّة ٍٍ عويل فراقك ما أرعبه !!
فغبت عن العين عشريـن يوماً أكان غيابي الذي أتعبه ؟؟؟!!
وقامرت حتى انتهى كل عمري وربحي بحبك لن ألعبه
أسافر ؛ إني أطلت المكوث وأودعه بنيتي المتعبة ~~




كــــــــــــ ريهام رجب ـــــــاتبة 

القرن ال21

عنبر الاكياس للمبدع الكبير سعيد سالم رؤية ------ فهمي إبراهيم ------

 
 
عنبر الاكياس
للمبدع الكبير سعيد سالم
رؤية
------ فهمي إبراهيم ------

قصة الكاتب الكبير سعيد سالم .
تدور حول خلطة واقعية لمجموعة في عنبر أحدي مصانع الورق بعضهم من ذوي الاحتياجات الخاصة المنتجة , والتي لو لم تكن قرأت عنبر الأكياس , لما عرفت أنهم يعملون , وينتجون رغم معاناتهم وعاهاتهم .
بناء درامي فخم محكم يتميز بغرفه الوثيرة التي لا تشعرك بملل أو كلل , أوفك ألغاز وطلاسم , تلقائية لغوية , وسردية , تقوم علي مفارقات سلوك شخصيات عالم العنبر وسوء إدارته ..
والتي يمكن إسقاطها علي واقع سياسي نعيشه الآن , بما فيه من تناقضات فارقة تبلغ حد المأساة .
بناء درامي يستعرض سلوكيات كل شخصية علي حده بملامحها التي أبدع الكاتب في رسمها ببساطة تشعرك أنك لا تقرأ قصة .. بل ترى واقعَ .. وتلمس شخصيات تراها أمامك متجسدة بشحومها , ولحومها , وسلوكياتها , في أسلوب سلس يستفزك صدق بساطته , من شدة واقعيته , وهذه معادلة أجاد الكاتب اتزان طرفيها بامتياز ..
ويكشف لنا من خلال سرد الأحداث مفارقات المواقف الدرامية باحتراف شديد , يجسد أمامك واقع تردِّي أسلوب الإدارة .. و يكشف عن فساد بعض المديرين وأسلوب إدارتهم القائم علي إرهاب العاملين , واستغلال حاجاتهم , وتوزيع أموال الغلابة علي نزواتهم , في صورة مكافآت , يأخذون قيمتها ممن يستحقون .. ليعطونها لمن لا يستحقون .
اسقاطات لواقعٍ انتشرت فيه المحسوبية , وبيع الذمم , واللامبالاة وأسلوب " وانا مالي ياعم " , و " مش حاتيجي عليَّ انا"
في عنبر الأكياس اخترق الكاتب هذا العالم وكشفه بأسلوب المتمكن , وصنع مجموعة شخصياته المصبوغة بصدق الواقع بل هي واقعية أصلا , في مجتمع يعيش بعض أفراده تحت سطوة الحاجة , وحاجة الكرامة الانسانية
حالة العنبر هي حالة مجتمع بعاهاته وسلوكيات أفراده وسوء إدارتهم وفساد مديريهم .
فالشخصيات لا تجد أي تناقض في تركيبتها النفسية الراضية , و واقعها المحدود , و إنما تنشأ المفارقه في سلوكياتها نتيجة تطلعها لعيش كريم ,لا تجده , ولا تحسه , ولا تحلم أن تراه , ولا يساعدها أحد .. لذلك فهي أما تنكسر علي ذاتها .. وأما أن تفكر أو تحول طاقة إبداعها في أخذ ما هو ليس من حقها ..
إن "جمال عوض الله" في عنبر الأكياس وتناوبه مع أولاده الثلاثة في اقتسام فراش واحدة وتصرفاته في ندائه علي الصلاة وسلوكياته في إعلام الناس بطرق ابوابهم , ولا يعبأ بالشتائم واللعنات التي يتلقاها منهم , يفضح واقع حقيقي معاش في كثير من الأماكن .
وبينما نجد " عادل " الذي لا يعمل إلا إذا قام " عم عيسي " بإخراج يده من جيبه .. فعاهته تتسم بشي من الخطورة لأنها تكمن في عقله . و أمه لا تأتي لاستلامه إلا أول كل شهر حتى تتسلم راتبه . اسقاطات لا تهويل فيها لواقع كاد أن يفقد العقل و الإحساس بالآخر ..
أما " خديجة " المشهورة ب " السمرة " خفيفة الظل , مبرومة القوام ناعسة العينين .والتي قال لها المدير عند زيارته للعنبر انت تعملين بمهارة عظيمة يا خديجة وقال لعيسي الذي يريد أن يفصله : قدم لي مذكرة عن هذه العاملة حتى أمنحها مكافأة
فهي وسط مجموعة المشايخ ذوي الاحتياجات الخاصة والمفارقة في قول أحدهم إن عين المدير تندب فيها رصاصة فيرد عليه آخر كيف عرفت ذلك وقد ولدت أعمي .. واجتماعاتهم لترشيح الجريشي الذي هو بنصف عين ويعشق القراءة , لمجلس إدارة الشركة , لثقتهم فيه أنه لن يتنكر لهم وسيقدم لهم العون و يرقيهم جميعا بلا استثناء قبل النظر في ترقية المبصرين .. و لثقته الشديدة بفوزه بأغلبية كاسحة , ولم يفز إلا بستة أصوات من المصنع بأكمله بينما عدد المشايخ بالعنبر سبعة فاتجه إلي " عيسي " الذي لم ينتخبه والذي كان يشعر في قرارة نفسه بمرارة الظلم والاضطهاد لعدم ترقيته في حركة الترقيات وهدده بضربه بحديدة علي رأسه ..
رمزيه رائعة ولقطة فارقة .. و هكذا نحن دائما ما نسقط فشلنا علي الآخرين ونتهمهم بل ونحاول الثأر منهم بدلا من تدبر أحوالنا
إن تسلسل البناء الدرامي لأحداث العنبر , وتسلسل الحوار في تناغم لا يشرد بك ولا يلقي بك بعيدا عن إيقاع تدفق الحدث , بل يزيده عمقا و وضوحا .. ويبرز المفارقات في سلوك شخصياته , بصورة متناسقة النعومة لا تشعر فيها باغتراب , أو تشعر فيها بملل , فلا تدخلك في متاهات تبحث فيها عن أسئلة تريد الإجابة عليها , و لا تجعلك تري إجابات تزيد أمامك علامات الاستفهام ,
وهذه سلاسة ونعومه سرد النص واقتدار سارده .
إن التحول الدرامي الذي يختم به الكاتب عنبر الأكياس للتناقض في شخصية المدير والمفارقات التي تفضح سوءات عالم الإدارة
وعرض سلوك أحد شخصيات العنبر الذي استغل موقف الارتباك ليخطف قبلة من خديجة السمرة , و ما كان ليستطيع لولا موقف الارتباك نتيجة تناقض سلوك المدير المذعور , وظهوره و هو يصطحب جمال واضعا يسراه علي كتف جمال الذي لم يستطع أن يجيء بحقه , فهل يستطيع أن يجيء بحق عمال العنبر , لولا أنه هدد المدير بأنه سيقتله ليس للمطالبة بحقه أو حق عمال العنبر , بل لأنه لا يصلي معهم في جامع المصنع , أنه سلوك مجتمع بكل تناقضاته وعاهاته .. تناقض يشعرك أن المطر كف عن التساقط واستشاع في الجو خدر لذيذ , لكنه واضحا لن يلبث حتى يزول ..
تحية للكاتب الكبير المبدع سعيد سالم .. وفي انتظار القادم
------ فهمي ابراهيم ------

نشرت في جريدة الأهرام ملحق الجمعة علي جزئين
الجزء الأول بتارخ 3مايو 2013
http://www.ahram.org.eg/Category/808/81/القصة.aspx


الجزء الثاني بتاريخ 10 مايو 2013
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/209065.aspx

الخميس، 9 مايو 2013

الأشباه و النظائر ... تراث لا يموت / بقلم : عاطف عبد العزيز الحناوي



الأشباه و النظائر ...تراث لا يموت

كتاب الأشباه و النظائر يريد أن يثبت موقفا وسطا , بين الطرفين المتمسكين بالقديم و المناصرين للمحدثين , و هما يقولان في مقدمة الكتاب:

( إنّا رأيناك بأشعار المحدثين كلفا , و عن القدماء و المخضرمين منحرفا , و هما اللذان فتحا للمحدثين باب المعاني , فدخلوه , و أنهجوا لهم طرق الإبداع , فسلكوه , " يعنيان أن الفضل للمتقدم ".
و لسنا بقولنا هذا – أيّدك الله – نطعن علي المحدثين و لا نبخسهم تجويدهم و إصابة تشبيههم و طريف معانيهم و صحة استعاراتهم ) .

قال ابن الجوزي في كتاب الأذكياء عن مؤلفي كتاب الأشباه و النظائر : ( كانا أخوين و اتفقا في حسن الطبع و رقّة المشاعر و كثرة الأدب و كانا يشتركان في الشعر و ينفردان . )

و هما الخالديّان , الأديبان الشاعران الموصليّان أبوبكر محمد و أبو عثمان سعيد ابنا هاشم ابن وعلة و أصلهما الخالدية " قرية من أعمال الموصل في العراق " فنسبا إليها .  

و قد قال عنترة العبسيّ :

هل غادر الشعراء من متردّم ِ ؟

أي أن القدماء ما تركوا كلاما لمتكلم بعدهم...هكذا قال عنترة و غيره ممن يرون الفضل دائما للمتقدّم و الأسبق زمانا و لكنّ هذا لا يمكنه أن ينفي أو أن يمنع جودة إبداع المحدثين و طرافته كما أسلفت منذ قليل كلام الخالديين – رحمهما الله - .

و الخالديان يضمّنان كتابهما أشياء من النظائر إذا وردت و الإجازات .

( الإجازة هي إتمام مصراع غيرك من الشعراء : أي أن تأخذ شطرا لشاعر و تكمل أنت الشطر الثاني ...قمت بالإجازة ذات يوم حيث اخذت شطرا لابن الرومي و أكملت الشطر الثاني من عندي أقول :
و لي وطنٌ آليت أّلا أبيعه   ...   و هذا عهودي يا بلادي موثقة

و أصله :

و لي وطن آليت ألا أبيعه ...   و ألا أرى غيري له الدهر مالكا  )

 و يتكلم الخالديان كذلك عن المعاني المخترعة و المتّبعة و من ثم يتعرضان لقضية السرقات الأدبية .

انظروا مثلا قول المهلهل بن ربيعة :

بكُرهِ قلوبنا يا آل بكرِ ====نغاديكم بمرهفةِ النصالِ

لها لونٌ من الهامات جونٌ===و إن كانت تغادَى بالصقالِ

و نبكي , حين نراكم, عليكم ===و نقتلكم كأنّا لا نبالي

قال الخالديّان : أبيات المهلهل هذه هي الأصل في هذا المعنى ( يعني قتال الأقارب بكره القلوب)

و قال البحتريّ في نفس المعنى :

إذا احتربتْ يوما ففاضت دماؤها===تذكّرت القربى ففاضت دموعها

هنا يقول الخالديّان : بيت البحتري أطرف و أبدع من بيت المهلهل إلا أن أبيات المهلهل أرشدت البحتري إلي المعني و دلّته عليه.
و أقول : للحق إن بيت البحتري أجود فإنه جعل التذكر و فيضان الدموع بعد فيضان الدم و انقضاء المعركة و هذا فيه إيحاء بالندم الشديد ( كما فعل ابن آدم بعدما قتل أخاه ) .
أما أبيات المهلهل فإنه جعل التذكّر أولا ثم جاء بعده القتل بلا رحمة و بلا مبالاة و كإننا أمام حالة من التناسي و التعامي عن علاقة القربى بشكل متعمّد فقال :

و نبكي , حين نراكم, عليكم ===و نقتلكم كأنّا لا نبالي

و أعتقد أنه من البديهي أنه لو تناول كل منا نفس الموضوع فإنه سيعبّر عنها بألفاظ و تصوير مختلف , فكل منا له فكره و وجهات نظره و ينظر للأمور من زاوية مختلفة و الأمثلة علي ذلك كثيرة جدا و  فلوا تناول مجموعة من الشعراء  نفس الموضوع فإن كلا منهم سوف يلقط بعدسته و يصور بكلماته و ريشته نفس الموقف و لكن شتان بينهم في النواحي الفنية و الألفاظ و الصور....و سبحان الخالق العظيم .

أما الآن دعوني أنقل جزءا من فصل من كتاب الأشباه و النظائر حول معني وصف الشعراء لأشعارهم .

يقول دعبل ( شاعر هجّاء أصله من الكوفة و كان صديقا للبحتري ) :

إنّي إذا قلت بيتاً مات قائله
                               و من يقال له , و البيت لم يمتِ

و يقول دعبل أيضاً :

يموت ردئ الشعر من قبل ربّه
                                    و جيّده يبقي و إن مات قائلهُ

و يقول محمد بن عثيمين ( شاعر من نجد و توفّي عام 1944 م )  :

و أنشد بيتا قاله بعض من مضي
                                    و ليس يموت الشعر لو مات قائله

ملحوظة : هذا المثال من خارج الأشباه و النظائر و بعض الأمثلة الأخري كذلك ...فقط أردت إثراء الموضوع بدرجة أوفي .

و يقول شاعر :

فإن أهلك فقد أبقيت بعدي
                              قوافي ليس يلحقها الفناءُ

و يقول بن ميّادة ( شاعر من مخضرمي الدولة الأموية و الدولة العباسية ) :

فإن أهلك فقد أبقيت بعدي
                              قوافي تعجب المتمثّلينا

و المعني واضح في الأبيات السابقة حيث دارت جميعها حول معني بقاء الشعر رغم موت صاحبه .

و حول نفس المعني قيل :

لا يفرحنّ بموتي من تركت له
                                 عارا إلي آخر الأيام معروفا

قصائدا تترك الألباب حائرة 
                               من شاعر لم يزل بالحذق موصوفا

و قال آخر :

خذوها هنيئا إنها لرقابكم
                          قلائد عار ليس يزهي سموطها

يقول الخالديّان :

و مما يقارب هذا المعني و إن لم يكن مثله قول الشاعر :

أليس إذا ما قلت بيتا تناوحت
                                 به الريح في شرقيها و المغارب
يقصّر للسارين من ليلة السري
                                     و يغدي عليه بالقيان الضوارب


و من جيّد هذا المعني و نادره للخريمي :

من كلّ غائرة إذا وجّهتها
                             طلعت بها الركبان كل نجادِ
طورا يمثّلها الملوك و تارة
                                بين الثُدِيّ تراض و الأكبادِ


قال الخالديّان :

ذكر أن الملوك كثيرة التمثّل بأشعاره و أن الغناء فيها أيضا كثير فهي تراض بين الثدي و الأكباد و هناك مواقع العيدان – يعني آلة العود الموسيقية .

و قال بشار بن برد :

و مثلك قد سيّرته بقصيدة
                            فسار و لم يبرح عراص المنازلِ
رميت به شرقا و غربا فأصبحت
                                به الأرض ملأى من مقيم و راحلِ


و يقول الخالديّان :

و شبيه بما ذكرناه قول البحتريّ :

و أنا الذي أوضحتُ غير مدافع
                                   نهج القوافي و هو رسمٌ دارسُ

و شهرتُ في شرق البلاد و غربها
                                      و كأنني في كل نادٍ جالسُ


يقول الخالديّان :

و الشعر في صفة الشعر كثير , و إنما أتينا بهذا الفنّ من ههنا , و تركنا غيره لنأتي به في مواضع أُخر إن شاء الله .


و أذكر بعض عناوين الكتاب كإشارة لما به من موضوعات مهمة :

معني نباح كلب البخيل
معني سؤال قريبي العهد بالغني
معني مكافأة المركوب بعد بلوغ المطلوب
معني التحوّل عن دار الهوان
معني اقتحام الحرب و العفة عند المغنم
معني التساؤل عن صدق صفة  العاشق
معني تمنّي الفتيات للفتي
هذا بعضا مما في الكتاب إضافة للكثير من الأخبار و الحكايات التي كانت سببا في كتابة الأشعار.

و انظروا للحكم النقدي الذي قاله الخالديان تعليقا علي بعض الأبيات :

فما نعرف في هذا المعني أحسن منه و لا أصح تشبيها لمن تأمله و وقف عليه و لا نعرف له نظيرا فنورده .

هذا كتاب عظيم , و جدير بأن يقرأه , كل مهتم بالأدب و اللغة ...رحمة الله علي الخالديين .