الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

سيدُ الحُلمِِ الجميل ..بقلم الشاعرة ...مديحة رشدى

سيدُ الحُلمِِ الجميل
*******
سيدى ....
ملكُ الحُلمِِ الجميل
تدمعُ الطيورُ شجناً لحالى
ويتمردُ الفجرُ فيخرجُ..
من بعد النهارِ
وأنا..
فى مطلعِ الخريف ...يهزنى ترحالى
والبحرُ يعشقُ أنفاسَ المستحيل
وأنا أعشقُ أنفاسَك
حين تخرج من صدرى
دافئةً ....
كزخات المطر
يتلقاها قلبٌ ....
يمتطى السحاب
ويتنزهُ فى سماءِ الدنيا
ثم ...............
يعودُ إليك
يتجولُ فيك
أتعانقُ والدنيا
يتحولُ جسدى نورًا
ونداوةً
أتفتتُ أحياناً!!!!
عند مرورى بشريانك
أتشابكُ معكَ لأصبحَ بدراً
آه ..
ياسَيدَ حُلمِى الجميل
الذى لم يمتْ أو ينكسر
يا من يتقنُ مفرداتَ الحبِ
ويحيي أعصابَ النبض
لتنبضَ
داخلَ أضلعى
رفقاً ......
بساعاتِ روحى المجهده
ما أقسى
إنتظارالحلم
ليخرجَ يوماً
على إستحياء
فلا تفصلنى عنك
فأهوى
كخيوطِ شمسٍ
أرهقها
القمَرفى السماء
وتقتلنى حنيناً
فلايُجدى معى أى دواء
من يرتجى العمر .... من بقايا الزمن ؟
من يُخرج الصبحَ ....من بين حنايا الشقاء؟
أقسمُ لك أن لا يسقطُ قلبى
حين تتخلى ...
عن عناقى
فتودعنى لحظةُ غفلتى
أو...
إستغراقى
و تناجينى بقسوةِ
ولا تبالى جنونى وعنفَ إشتياقى
ياسيدَ الحلمِ الجميل
لم أطلب منك تاجاً ملكياً
وبساتينَ السماء
لم أطلب شفاءَ الموتى
أونهراً ينسابُ عذباً من الصحراء
فلتجعلنى ....
ملهمةَ الحب وقصيدةَ غناء
نظرةَ شوقِ.. ودائما...
تفاصيل إرتواء
أنفاسُ الحياه أو موتاً
يعشقهُ الشرفاء
*****
مديحة رشدى

مش مالِك قلبى عشان أديه... بقلم الشاعر ..محمد علي

مش مالِك قلبى عشان أديه
 مش عارف إيه اللى محيّرنى
واللى مسهّرنى
 ولمّا أجيلَك باهرب ليــه؟
مش عارف ليه الدنيا خادتنى
وفين ودتنى
 وبينى وبين الحلم طريق
كان قلب جريىء
 وفاكر إنه حقيقة حبّك ليّا بلاد بتعاند
 قرص الشمس وتفرح بيه
واتاريه كان ضعف بيسرح جُوّه الليل
الواقف دايب دوب مكتوب فى دفاتر كل حياتى :"غريب"
 بتفوح الذكرى على الأيام
فتمر أوام
والاقينى بعاند صبر الدنيا
 وبافرح ثانيه
وطول العمر الحزن صديق
وانا قلبى ما عارف يفتح قلبه يدق لمين
 مسكين ياللى مجننى
بتهرب منّى
وتعشق لما تحس حلاوة روح
مجروح بس جروحك قادره تعافر
يوم وتسافر
تفتح كل مداين روحَك ساعة فَرح
 وتِحلم بيه
مش مالِك قلبى عشان أديه

الشاعر ..محمد علي

الاثنين، 16 سبتمبر 2013

المدينة ..رؤى إبداعية و نماذج مختارة



المدينة ...رؤى إبداعية و نماذج مختارة
                    للشاعر و الاديب و الناقد  المصري
                         عاطف الحناوي
في قديم الزمان نشأت المدينة من تجمع لعدد من القرى المتجاورة التي تكمل بعضها البعض و كان يحيط بالمدينة سور ليحميها و بوابة تقفل عليها حين يأتي المساء و يقول الدكتور جمال حمدان – رحمه الله – في " جغرافيا المدن " أن المدينة المعاصرة هي مركز القوة الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و هي تشهد نموا ضخما في سائر البلاد و تتوافر فيها متطلبات الاقتصاد الحديث من شبكات مواصلات و اتصالات و آليات لتبادل المعلومات و لكنه يصر على أن المدينة تتحدى التعريف الجامع المانع و المعادلة الموجزة فليست هناك مدينة مطلقة و لا قرية مطلقة ..
هذا عن المدينة من الناحية الجغرافية أما من الناحية الإبداعية فإننا أمام ظاهرة تناولها الأدباء في القديم و الحديث و بثوا انطباعاتهم و حالاتهم الوجدانية عنها في قصصهم و أشعارهم و خواطرهم .
في العصر الأموي نجد أن ميسون بنت بحدل – زوجة معاوية ابن أبي سفيان – تعقد مقارنة طريفة بين عيشتها البدوية الأولى في بساطتها و بين الحياة في مدينة دمشق الأكثر تعقدا.. و تفضل حياتها الأولى على حياة القصور :
لبيت تخفق الأرواح فيه *** أحب إلي من قصر منيف
و أكل كسيرة في كسر بيتي *** أحب إلي من أكل الرغيف
خشونة عيشتي في البدو أشهى *** إلى نفسي من العيش الطريف 
فما أبغي سوى وطني بديلا *** فحسبي ذاك من وطن شريف
و أنظر كيف هي في حالة صراع نفسي بين الحياتين و يعبر عن ذلك عرضها للمظاهر المتقابلة في الحياتين ثم استخدامها الدال لصيغة أفعل التفضيل "أحبّ و أشهى" بما يحسم المقارنة لصالح حياتها الأولى .
كما أن نموذجا لشاعر آخر من العصر العباسي يفيد التحول الكبير في الشخصية و في الإبداع نظرا للانتقال من حياة البادية إلى حياة القصور و شتان بين إبداعه في الحالتين و هو الشاعر علي ابن الجهم الذي حين امتدح الخليفة مدحه بألفاظ وعرة و بدوية فنجد تشبيهاته فيها ألفاظ مثل الكلب و الدلو و غير ذلك ..يقول :
أنت كالكلب فى حفاظك للود                 وكالتيس فى قرع الخطوب
أنت كالدلو لا عدمناك دلواً           من كبار الدلا كثير الذنوب
فعرف المتوكل  - الخليفة الممدوح بالأبيات السابقة - حسن مقصده وخشونة لفظه، وأنه ما رأى سوى ما شبهه به، لعدم المخالطة وملازمة البادية، فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة، فيها بستان حسن، والجسر قريب منه وأمر بالغذاء اللطيف أن يتعاهد به فكان - أى بن الجهم - يرى حركة الناس ولطافة الحضر، فأقام ستة أشهر على ذلك، والأدباء يتعاهدون مجالسته، ثم استدعاه الخليفة بعد مدة لينشده، فحضر وأنشد رائعته الشعرية :
عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ           جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن               سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ
و في هذه القصيدة ما لا يخفى من الرقة و الحلاوة عكس ما كان منه من جفاء و غلظة في بداية حياته .
و يمضي إبداع الشعراء و الأدباء في طريق التعبير عن المدينة سواء كان ذلك هجاء للمدينة و اعتدائها على القيم الإنسانية أم مدحا لها و ما بها من سعة و فرص أكبر للوجود و الاستمتاع و سوف نرى كيف تعرض مبدعون معاصرون للمدينة في إبداعهم بلغة تختلف من مبدع للآخر و نبدأ أولا بموقف المادحين للمدينة فكأننا أمام داع أو مرشد يوجه الأنظار إلى جمال المدينة  و ما بها من متعة للزائرين يقول الأستاذ محمود الفحام :
أيها العاشق للإسكندرية    
                              طب مقاما إنها دوما حفيه
قم و عانق أمسيات الحب فيها
                            ليس مثل الثغر للنفس الظميه
سر علي الكورنيش و استنشق شذاها
                              و تنسّم عطر نسمات نقيه
و ألفاظ الشاعر هنا و صوره تعبر عن حالة الجمال التي يراها و يشعر بها في مدينته المحبوبة ( العاشق – طب مقاما – حفيّه – عانق – أمسيات الحب – الكورنيش – شذا – عطر ) كما يغلب عليه أسلوب النداء و الأمر و هو أسلوبان إنشائيان بغرض الحثّ و التشجيع على زيارة المدينة و الارتشاف من جمالها و فتنتها  .. كذلك و يذكر الشاعر في نص آخر له مدينة مرسى مطروح بنغمة فيها اعتزاز و محبة بالغة و في تصوير شعري رومانسي أخاذ .
و من مثل هذا الاتجاه نرى الدكتور مصطفى سلوي – من المغرب الشقيق – في قصيدة نثرية من إبداعه يقول :
 حَبيبَتي،
وَهذا عازِفُ الْكَمانِ
يُداعِبُ مُنْتَشِياً
أَوْتارَ أَلْحانٍ؛
تَشْدو في مَمَرِّ الْبوسْفورِ
وَبَيْنَ مِيّاهِ الدَّرْدَنيلِ
وَعَلى رِمالِ (أَدانَةَ)
في ذلِكَ الْمَقْهى الْعالي،
أُغْنِيّاتِ الْعِشْقِ السَّرْمَدِيِّ
وَالنّاسُ مِنْ حَوْلِنا
سَكْرانَةً تَتَحَلَّقْ..
( ذكريات من عشق أزرق )
و يقول في نفس القصيدة :
حَبيبَتي،
في قَسَنْطينَةَ جَسورٌ مُعَلَّقَةٌ
ما تَزالُ
لِخَطْوِنا حافِظَةً
وَبِعِشْقِنا الْحاتِمِيِّ
تَتَصَدَّقْ..
وَفي باريسَ
عِنْدَ ساحَةِ (شاتْلي)
نافورَةُ ماءٍ؛
مِنْها الْمُزْنُ تَدَفَّقْ؛
تَحْتَها اغْتَسَلْنا،
بَلَّلْنا الْجَسَدَ الْمَسْحورَ
( ذكريات من عشق أزرق )
و يقول في نفس النص أيضا :
وَتُداعِبُني
أَسْفارُكِ
في الزَّمَنِ الْأَنْدَلُسِيِّ
في (طوني مورينو)،
وَلَيالي بَناتِ (بورْنِيّو)
وَكَرْنَفالِ رَيّو دي جانيرو..
تُرْقِصُني،
تُطَوِّقُني بِذِراعَيْها،
تُعيدُني طِفْلاً
يَهْوى التَّحْليقَ
في رُبوعِ الزَّمَنِ الْأَحْمَقْ...
( ذكريات من عشق أزرق )
لكأني بالنص يطوف بنا في جولة سياحية فاتنة بين مدن العالم و قد أجاد المبدع التصوير حيث صور الجسور و هي تحفظ خطواته و الحبيبة و عودته طفلا يهوى التحليق و إن كنت أرى أن التزامه القافية / الروي – لا سيما و هو يكتب قصيدة النثر -  قد أجبره على بعض ألفاظ أضعفت الصورة الشعرية بعض الشئ مثل وصفه للزمان بالأحمق فكيف يهوى إنسان التحليق في مكان أو زمان أحمق ! أليس من الأولى أن يقول يهوى التحليق في ربوع الزمن الأصدق أو الأجمل أو أي لفظة أخرى تناسب الحالة الوجدانية الرائعة التي جعلنا نعيش فيها في نصه الممتع ! و قد نجح تماما في ذلك في نص نثري آخر آخر يقول :
وَأَنينُ النّايِ
وَرَجْعُ أَوْتارِ الْكَمانْ
يُضَمِّخانِ جَسَدي الْمَتْبولَ
بِأَلْحانَ مِنْ فاسَ وَتِلِمْسانَ وَتِطْوانْ
تُرْقُصُني حيناً
وَحيناً تُشْجيني
وَأَنا الْمَسْكونُ دَوْماً
بِعِشْقِ الْفَراشاتِ
( سكنني دهرا عشق الفراشات )
فكل الألفاظ هنا متناغمة و تعبر عن حالة وجدانية يمتزج فيها الطرب بالشجن و في لغة سهلة خالية من الغموض الإبهام .
و النصوص التي طرحناها الآن لشاعرين أحدهما محافظ على بنية البيت الشعري العربي في رصانة و قوة و الآخر يكتب قصيدة النثر.
و إن كانت النصوص تختلف في لغتها و تكنيك بناء القصيدة إلا أنهما يتوحدان في كرنفالية الرموز التي اتخذها كل منهما في قصيدته ..فكأننا امام حالة من السعادة و الانتشاء و الاحتفال تتبدى من خلال الصور الشعرية و الألفاظ البسّامة العاشقة .
و قد تعشّق شاعر آخر - عبد الوهاب البياتي - المدينة و إن كان بأسلوب مختلف و لسبب مختلف فإنما هو يعشق المداخن السوداء في المدن الصناعية و يتعشق دروب المدن و شخوصها – لاسيما العمال – و بلا شك هذا بسبب كونه منتميا للفكر اليساري و قد جرى على نفس هذا النحو شاعر كبير هو سعدي يوسف الذي اتخذ من المدن الاشتراكية نموذجا للمدينة الفاضلة على أرض الواقع " يوتوبيا حقيقة " .. يقول البياتي :
مدخنة تناطح السماء
توزع الحلوى على الأطفال في المساء
و تهب الضياء
و الثوب و الكتاب و الدواء
من يزرعون الورد في بلادك الغناء
فلنرفع الكأس على نخبك .. يا مدخنة تناطح السماء
ففي غد يرتفع البناء
و مثل ذلك ما قاله سعدي يوسف مستخدما ألفاظا مثل : الجوع و الشعب و الكفاح و العمال و غير ذلك و هي الفاظ يكثر دورانها في بين اليساريين و كم أساؤا للشعر بهذا الأسلوب الذي لا يعدو كونه صياحا أجوف و تناولا سطحيا ساذجا يخلو من إنسانية الإبداع و عمق التجربة الوجدانية و الشعرية... !
و ثمة موقف آخر لعشق مدينة بعينها و لكنه عشق مصحوب بصدمة و جرح كبير و ألم شديد  فقد جاء المبدع بحلم كبير و لكنه تولى منه بغصة و مرارة تعبر عن ذلك الأديبة المغربية مريم بن بخثة في قصيدة نثرية تناجي بها مدينة تزنيت المغربية :
هذي المدينة التي
عبرتني ذات مساء
علقت أحلامي
و رحلت
تغازل كل شوارعي
خضبتني بحناء العشق
وشما على بوابة التاريخ
هذا ليل المدينة
يتسكع في حلم العابرين
يخالط عرق المنهوكين
من زحمة الأشياء
تزنيت الغارقة في حلمي
حد الألم
( تزنيت )
و تقول :
كيف تلفظينني
من رحمك
بلا عنوان
( تزنيت )
هنا رسمت مريم بن بخثة مجموعة صور جميلة و معبرة و قد نقلت لنا ألفاظها الحالة الوجدانية للشاعرة بصدق و انظروا للصورة الاستعارية الجميلة حيث صورت المدينة بأنها هي التي عبرتها و ليس العكس / تبادل ادوار .. كما نجد صورة  التغزّل و صورةعرق المنهوكين و الليل الذي يتسكع  و المدينة التي تلفظ المبدعة من رحمها و تتركها بلاعنوان كل هذا في تماسك فني جيد .
و قريب من موقف مريم بن بخثة نرى موقف محمد عثمان من المدينة و التي تأخذ عنده معنى الوطن الجريح و السليب فنحن أمام حالة من الألم و البكاء على المدينة العربية الجريحة / القدس يقول في صورة شعرية جميلة و محزنة :
والـنـيـلُ يـرنـُـو إلى الآفـاق فـى عـَجـَـبٍ **** طـيــرُ الـفـُـراتِ يـبـُـثُ الشــوقَ للـهـــرم
والكــل يـبـكـى عـلـى أصــداءِ شــاكــيـة **** مـن ذا يُـحـيـل شَـكـاةَ الـقُــدس للـحــــرم
فهو هنا يستخدم رموزا تدل على المدن العربية في القاهرة و العراق و الكل في حالة من النحيب و القدس يشكو للحرم و لكن ما من مجيب !
و قد تعرض بدر شاكر السياب لمدينة بورسعيد الباسلة في قصيدة " بورسعيد " حيث هي رمز للكفاح ضد الامبريالية العالمية و قد مزج في قصيدته بين النمط العمودي للقصيدة و نمط التفعيلة ببراعة و جزالة ... فتراه يقول :
إنّ العيون التي طفّأت أنجمها
عجلنّ بالشمس أن تختار دنيانا
و امتد كالنور في أعماق تربتنا
عرس لنا من دم و اخضلّ موتانا
فازّلزلي يا بقايا كاد أولنا
يبقي عليها من الأصنام لولانا
نحن الذين اقتلعنا من أسافلها
لاة و عزّى و أعليناه إنسانا
حييت بورت سعيد من مسيل دم
لولا افتداء لما يغليه ماهانا
عاناك في الليّل داج من جحافلها
نورا من الله أعماها و نيرانا
ما عاد ليل قد استخفى بأقنعة
من أوجه الناس لولا أنت عريانا
فكأني به و هو يتحدث عن بورسعيد يتحدث عن الوطن الأكبر فالمدينة صارت رمزا و معنى مهما في مواجهة الطغيان و الاستعمار و انتصرنا و هدمنا الأصنام بنور الله فجاءت صوره الشعرية حية و معبرة بصدق عن هذه الحالة العبقرية من الفداء و التضحية .
كان هذا موقف العاشقين و المادحين للمدينة و فيه رأى بعضهم كل الخير و الجمال و المتعة في المدينة و رأت مريم بن بخثة فيها الحلم و الأمل و إن كان انتهى بصدمة و وجع شديد عبرت عنه بصور بيانية جيدة كما رأي فيها السياب صورة الوطن المكافح ضد الاستعمار و رأى محمد عثمان كما شاهدنا في بيتيه المقتبسين من قصيدة " ظلام " صورة الوطن الجريح المستباح .
ننتقل بعد هذا العرض إلى موقف الغضب – الذي قد يصل لدرجة العداء – من المدينة .. يقول الدكتور فوزي خضر :
ذات مساء
كنت افترشت جسدي
مدثرا بقطع الرصيف
مزدردا برودة الظلام
أشق جبهة الرصيف
-         في الصباح –
كي أسير لاعنا شوارع المدينة
منتعلا إسفلتها الغريب
( حينما نغرق في الإسفلت )
رسم الشاعر هنا لوحة متناغمة الأجزاء لحالة من البرودة و الظلام التي يعانيها في ليل المدينة و حين يأتي الصباح لا يختلف الأمر كثيرا فإنما هو يلعن شوارع المدينة و يسير على أسفلتها في صورة استعارية جميلة حيث ينتعل الإسفلت و يصف الإسفلت بالغريب .. هي حالة من العراء و الحفاء نقلها الدكتور فوزي خضر ببراعة شعرية و في أقل عدد من الكلمات .
و يقول صلاح عبد الصبور معلقا على مقطع من قصيدة "الأرض الخراب" للشاعر و الناقد الإنجليزي الكبير ت إس إليوت : أهذه هي الحياة ؟ لا بل هي الجدب و الإمحال , فقد أفسدت المدنية الحديثة كل القيم الإنسانية السامية فجعلت الوحدة و هي أخصب يا يملكه الإنسان ضجرا و مشقة و جعلت الحب سخفا و ابتذالا ..
( حياتي في الشعر )
و قد تكررت عبارة " يا مدينة الوهم " مرات عديدة في نص " الأرض الخراب " بما له من دلالات نفسية عميقة على حالة الغضب و الضياع و قد  عبر عن نفس هذا الموقف العدائي تجاه المدينة شعراء كثيرون و أرى أن ثنائية ( المدينة / القرية ) سيطرت على أحمد عبد المعطي حجازي في جزء كبير من تجربته الشعرية و ندرك ذلك بقراءتنا لقصيدة " سلة ليمون " مثلا و غيرها لدرجة أنه يرى في زحام المدينة خواء كبيرا يقول :
فلن يرد بعض جوعي واحد من هؤلاء
هذا الزحام لا أحد
( لا أحد )
و كذلك يقول أحمد عبد المعطي حجازي :
الشوارع مختنقات مزدحمات
أقدام لا تتوقف, سيارات
تمشي بحريق البنزين
( سلة ليمون )
إنها صدمة المدينة حيث انتقل من قريته إلى المدينة فهاله ما رآه و عاناه بأسلوب شاعر رومانسي آت من القرية حديثا .
و يرى أمل دنقل الحياة الآلية لسكان المدن فكأنهم ليسوا بشرا :
الناس هنا
في المدن الكبرى
ساعات
لا تتخلف
لا تتصرف
آلات
آلات
آلات
و يعبر بصورة بارعة مستمدة من مفردات نستخدمها يوميا في المدينة  في " الإصحاح الرابع " من " سفر ألف دال " :
تحبل الفتيات
في زيارة أعمامهن إلى العائلة
ثم يجهضهن الزحام على سلم الحافلة
و ترام الضجيج !
انظر إلى ألفاظ الحافلة و ترام و الضجيج بما لها من دلالة على المدينة الكبيرة الصاخبة .
و مثله فعل محمد ابراهيم أبو سنة مستمدا الألفاظ من الحياة في المدينة و لكل لفظ دلالته العميقة  يقول :
بالأمس يا حبيبتي ..خرجت للطريق
لأقرأ الهموم في العيون
هموم أولئك الذين يعبرون
في شارع المدينة الحزين
لعل هم وحدتي يهون
إشارة حمراء : قف
إشارة خضراء : من هنا انصرف
و فجأة توقف الترام
و طوق الزحام جثة لطفلة تنام في الدماء
( في الطريق )
فاستخدام رمز إشارة المرور يدل على حالة المنع و الحظر / الأحمر ..و حالة السماح و عدم المنع / الأخضر .. و من لا يفهم قواعد اللعبة يسقط مثلما سقطت الطفلة للأسف الشديد ... هكذا هي المدينة لا ترحم !
و قد تعرض لنفس ثنائية  ( القرية / المدينة )  في قصيدة له الشاعر عاطف الجندي حيث يقول مخاطبا قريته :
أنا ما نسيتك
فاذكريني
إنني ما زلت
فلاحا
-         برغم تغير الأزياء – منبهرا
بطينك المنقوش في سمتي
قوي الزند
أضرب فأس أحلام
و أنتظر الخفي
و يخاطب قريته / فتاته المعشوقة :
أنا ( جزورين ) عائد
لشطوط دفئك
يا فتاة فطهريني
من ذنوب الإفك و ارو قلبي
المحروم من صبح نقي
(أشواق الجازورينا )
فهو بحاجة إلى التطهر من المدينة بالعودة إلى قريته حقيقة أو مجازا..صور عاطف الجندي ببراعة و اقتدار فطوبى لهذا الفلاح العبقري و الشاعر القدير و الناضج فكرا و أسلوبا .
ختاما أقول :
اتضح مما سبق كيف تعرض كل مبدع للمدينة كموضوع إبداعي منهم من هام حبا و عشقا للمدينة و منهم من رفضها و كرهها و إن كان هناك موقف أكثر نضوجا في رؤية المبدعين للمدينة حيث المعايشة الحقيقة و الولوج إلى روح الحياة فيها بوعي أكبر بعيدا عن الانفعال الرومانسي و صدمة المدينة ... و هذه سنة الحياة في التدرج نحو الرقي و النضوج فانفعالات الطفل حادة على عكس انفعالات الكبير الذي يكون اكثر خبرة و وعيا .
و لكل منا موقفه و لكل منا رؤيته للأمور و هذا يحدث نوعا من الثراء و التنوع الكبير و المتعة الفنية .
عاطف عبد العزيز الحناوي
الاسكندرية
31-7-2013
22 رمضان 1434

تم الفراغ من كتابة المقالة في الساعة الرابعة و الثلث عصرا .

الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

عيناها ... قصيدة من ديوان هوامش على دفتر ثورة مصر



عيناها
إلي مهاب و تلك التي رآها صدفة في الطريق ...
عيناها كانت تعرفني
و تذكرني أيام صبانا...
.......
كنا برءاء كمثل الصبح الطازج إذ يتنفس .. يبعث أنغام الطير حوالينا
(هي مدرستي أقضي فيها أحلي وقتي)
كنا نتعلم ..نكبر..نكبر..نكبر ثم تبدلنا
لم يا أصحاب تغيرنا ؟
لم يا أطيار هجرت الألحان ؟
أيصيرالكون جبالا من خوف و أسي ؟
لم هذي الجدران؟

و المدرسة – حيث تعلمنا – صارت أبراجا من أسمنت تسكنها الأشباح
عيناك صديقة عمري ردت لي عمرا كاد يضيع
ردت لي عصفورا تاهت منه النغمات
من تحت ركام الأعوام أعادتني عيناك
أنا أعرف هاتين العينين
و الذكري تشعلني و تهدهدني كالعصفور الأخضر
و تذكرني الأصحاب و أيام الدرس
يا وجه الاطفال البسام
يا زهرا يزهو بالأحلام
يا عطر برائتنا
في هذا التيه
عيناها كانت تعرفني
و تذكرني أيام صبانا
و عيوني - أيضا - تعرفها
والطفل يعود يدق الباب
ويغني  لحن الأشواق
( هي مدرستي فيها أقضي أحلي وقتي
مع أصحابي مع خلاني بين الجد و بين اللعب )